اليوم الثالث بعد الدنح «الإنجيل
إنجيل اليوم (يو 5/ 31-38)
31 لَو كُنتُ أنا أشهَدُ لنَفسي لَمَا كانَت شَهادَتي مَقبولَة.
32 وَلَكِنَّ آخَرَ يَشهَدُ لي، وأنا أعلَمُ أنَّ الشَهَادَةَ التي يَشهَدُها لِي صَادِقَة.
33 أنتُم أرسَلتُم إلى يوحنّا فَشَهِدَ للحَقّ.
34 وأنا لا أستَمِدُّ الشَّهادَةَ مِن إنسان، ولَكِن مِن أجلِ خَلاصِكُم أقولُ هَذا:
35 كانَ يوحنّا السِراج الموقَدَ السّاطِع، وأنتم شئتُم أن تَبتَهِجُوا بِنورِهِ ساعَة.
36 أمّا أنا فلي شَهادَةٌ أَعظَمُ من شهادَةِ يوحنّا: الأعمالُ التي أعطاني الآبُ أن أُتَمِمَهَا، تِلكَ الأعمالُ نَفسُها التي أعمَلُها، تشهَدُ أنَّ الآبَ أرسَلَنِي.
37 والآبُ الذي أرسَلَني هُوَ شَهِدَ لي. وأنتم ما سَمِعتُم يومًا صَوتَهُ، ولا رَأيتُم مُحَيَّاه،
38 ولا جَعَلتُم كَلِمَتَهُ راسِخَةً فِيكُم، لأنَّكُم لا تؤمِنونَ بِمَن أرسَلَهُ الآب.
أوّلًا قراءتي للنصّ
نصّ إنجيل هذا اليوم مقتطع من نصّ أوسع (يو 5: 31-47)، فيه يجمع الإنجيليّ أربع شهادات ليسوع: شهادة يوحنّا المعمدان (33-35)، وشهادة الأعمال (36)، وشهادة الآب (37-38)، وأخيرًا شهادة الكتب المقدّسة وموسى (39-47)؛ يضعنا هذا النصّ في إطار الجدل الذي حاول يسوع فيه إقناع اليهود بأنّه هو المسيح المنتظر، ويقدّم لنا عرضًا للشهادات الثلاث الأولى.
يستعين يسوع هنا، لإقناع اليهود به، وبرسالته الخلاصيّة، لا بشهادة يشهد هو بها لنفسه، لأنّ هكذا شهادة ليس لها القوّة الكافية للإقناع، بل بالشّهادة التي أعطاها فيه يوحنّا المعمدان، عندما أرسل اليهود أنفسهم من يسأله إعطائها به.
يتوقّف يسوع عند هذه الشّهادة، ليقول بأنّها صادقة، وبأنّ يوحنّا قد شهد فعلًا، للحقّ؛ ولكنّ يسوع يعود، مع ذلك، ليُصارح اليهود بأنّه لا يستمدّ الشهادة من إنسان، وبأنّه قد قبل بشهادة يوحنّا "من أجل خلاصكم"، أنتم الذين عرفتم، ولو لفترة ساعة، أن تبتهجوا بنوره، وهو "السِّراج الموقد السّاطع"، كأنّه يقول لهم: يا ليتكم ثبتّم في الابتهاج بنوره المتّصل الحقيقيّ الآتي من عند الله الآب. ولكنتم بالتالي، آمنتم بي!
الآية (36)
وهكذا ينتقل يسوع، في خطوة ثانية، إلى شهادة أعظم من شهادة يوحنّا، هي شهادة الأعمال التي يعملها، والتي تفوق أعمال البشر؛ يعترف يسوع بأنّ الله قد أعطاه أن يتمّ هذه الأعمال، التي هي أعمال الله، والتي تشهد، في ذاتها، أن الله الآب، هو الذي أرسله إلى العالم.
الآيتان (37-38)
تتكلّم هاتان الآيتان عن شهادة الله الآب المباشرة ليسوع؛ أين ومتى ولِمَ اعتمد؟ على سبيل المثال (متّى 3: 13-17؛ لو 3: 15-22)؛ هذه الشهادة تأتي، في إنجيل يوحنّا وهنا، وبعد شهادتي يوحنّا المعمدان والأعمال؛ وبما أنَّ اليهود لم يؤمنوا بيسوع، فهذا يعني أنّهم ما سمعوا، يومًا من أيّامهم، صوت الله الآب، وما رأوا محيّاه ووجهه، وما جعلوا كلمته راسخة فيهم؛ فلو أنّهم حظَوا بشيء، أو حظَوا بنعمة من هذه النِعَم، لكانوا آمنوا بيسوع، وآمنوا بأنّ الله الآب قد أرسله لخلاص العالم.
ثانيًا "قراءة رعائيّة"
في هذا النصّ تشديد على الشّهادات، لأنّ يسوع لا يريد أن يشهد لنفسه (31)؛ على أنّه (في يو 8: 13-14) يشهد لنفسه، ويؤكّد بأنّ شهادته صادقة، لأنّ شهادة الآب له سابقة، تتقدّم شهادته لنفسه.
الآيتان (33-34)
شهادة يوحنّا هامّة، ولكنّها ليست على مستوى شهادة الآب؛ هي شهادة نسبيّة (لا مطلقة)، لأنّها شهادة إنسان؛ ومع ذلك، ما قبلها اليهود (إلّا ساعة)؛ فلو آمنوا بيوحنّا لكانوا آمنوا بيسوع، ونالوا الخلاص (34).
الآية (36)
الشّهادة الثانية هي أهمّ من شهادة يوحنّا المعمدان، هي شهادة الأعمال في الابن؛ مَن يرفض هذه الأعمال وما يرافقها من أقوال ليسوع، فكأنّه يرفض الآب، لأنّ لا أحد يستطيع أن يعمل هذه الأعمال إن لم يكن الله معه (3:2).
فعلى اليهود، في النهاية، أن يروا في يسوع ابن الله (10: 25-38).
شرح عبارات و كلمات
آخر يشهد لي (32)
هذا الآخر هو الآب الذي يشهد لابنه؛ ولكنّ هذه الشهادة التي يعرف يسوع قيمتها، هي أرفع من أن يصل إليها اليهود.
يوحنّا السراج (35)
يسوع وحده هو النّور؛ كان يمكن ليوحنّا - السِّراج أن يقود اليهود إلى النّور، ولكنّهم قبلوه لفترة، ثمّ رفضوه؛ قبلوا الزرع في قلبٍ ترابه قليل.
الآية (37)
صوت الله الآب يُسمع في صوت يسوع وكلامه، ووجهه يُرى في وجه يسوع الذي قال : مَن رآني رأى الآب الذي أرسلني (يو 1٢: 45؛ 14: 9)؛ ولكنّ اليهود ما زالوا يرفضون نداء الله منذ ظهوره في سيناء (خر 19: 16-17)، وأقوال الأنبياء!
فكيف يسمعون الآن ليسوع؟
الآية (38)
بما أنّ اليهود رفضوا يسوع الذي أرسله الله الآب، فإنّهم قد رفضوا الله الآب بالذات، والشّهادة التي يشهد بها، وهي صادقة لابنه.
الأب توما مهنّا